اليوم الاحد, مررت على بيت جدي اليوم بالرغم من انه ليس اليوم المعتاد للزيارة الاسبوعية, لكني سأسافر غدا ولن اعود قبل ستة اشهر على الاقل. طرقت الباب الحديدي المصبوغ بلون ازرق باهت, سمعت صوت الخادمة:- منو في؟؟
فرددت: -انا.
فتحت لي الباب فورا فهي بالطبع تميز اصواتنا جميعا بعد كل هذه الفترة التي عاشتها بيننا. سألتها:- اين جدي؟
ردت:- يصلي في الغرفة الصغيرة.
طرقت الباب بهدوء ودخلت, وجدت بشته ملقا على سجادة الصلاة وسمعت صوته يهمهم بذكر الله, تذكرت حينها اني دائما ما انسى ان تحت ذلك البشت الملقى على السجادة يكون جدي ساجدا بجسده النحيل واطرافه الصغيرة واني دائما اعتقد وللوهلة الاولى ان السجادة خالية الا من ذلك البشت.ابتسمت وجلست على سريره النحاسي فاحدثت ازعاجا بذلك الصرير الذي انتبه له جدي في صلاته.
انهى صلاته سريعا فهو يؤمن بأن صلة الرحم واكرام الضيف اهم كثيرا من اداء المستحبات من الاعمال, طبعت قبلة على رأسه الصغير وتربعت بجانبه على سجادته, امتلأت الاجواء بصمت عميق وبات صوت المروحة المعلقة بالسقف مزعجا رغم هدوءه.اراد ان يكسر الصمت فسألني:- ماذا تشربين؟
فقلت:- بل ماذا تشرب انت؟ هل تناولت غداؤك؟
رد:- نعم. انت تعلمين جيدا انني اتناوله باكرا.
عاد الصمت ليلتف حولنا من جديد وعاد صوت المروحة المزعجة وصوت الدجاجات الغبية عاليا من النافذة الصغيرة وصوت الخادمة تغني تلك الاغنية السخيفة....يا الهي ان رأسي سينفجر, كل هذا الصمت المزعج وكأنه مطرقة تحطم رأسي من الداخل......ارجوك توقفي..توقفي...توقفي...صرخت بأعلى صوتي
عاد الصمت ليلتف حولنا من جديد وعاد صوت المروحة المزعجة وصوت الدجاجات الغبية عاليا من النافذة الصغيرة وصوت الخادمة تغني تلك الاغنية السخيفة....يا الهي ان رأسي سينفجر, كل هذا الصمت المزعج وكأنه مطرقة تحطم رأسي من الداخل......ارجوك توقفي..توقفي...توقفي...صرخت بأعلى صوتي
ارتميت في حضن جدي اجهش ببكاء يمتزج بالصراخ.احس بالبرد والحر معا ويرتجف جسمي من الاثنين.
يهدأني جدي:- اذكري ربك يا صغيرتي واستعيذي به من الشيطان الرجيم هذه دراستك ومستقبلك انت من اختار ولم يجبرك احد ولا تقلقي فنحن هنا من اجلك دائما.
رددت وانا امسح دموعي بالمنديل:- لكني لن استطيع الصمود كل هذه المدة بدون ان اراكم حولي
امي, ابي, انت
سأفتقد ضحكات امي كل مساء
سأفتقد نظرات ابي تتفحصني وتتفحص ملابسي ومكياجي قبل خروجي كل يوم من المنزل
سافتقد خادمتك الطيبة وكوب العصير الذي تقدمه لي في كل مرة ازورك فيها فأرده عليها قائلة: انا لست ضيفة. اشربيه انت.فتضحك في كل مرة.
وانت ساحن لك, لحضنك, نظراتك, كلامك صوت مذياعك البني القديم, سأحن لدجاجاتك وذلك الديك المشاكس يركض خلفي دائما فأتعلق بالسلم خوفا منه. سأحن لبشتك الملقى دائما على سجادة الصلاة وصوتك يردد الدعاء للكل حتى لحجي علي بائع الخبز في فرع الجمعية.
ربت على كتفي قائلا:- وكلنا سنشتاق لك. عودي لنا سريعا.
لمعت في عينيه دمعة تحاول الفرا ولكنها عدلت عن رأيها فهي تعلم جيدا ان لا سبيل للهرب.
خرجت مسرعة بعد ان طبعت قبلة طويلة على جبينه ,وقبلتان على خديه المجعدين.
هاتفي يرن في السيارة, انها امي:- اين انت؟
عند جدي, سأعود حالا.
دخلت المنزل. الكل موجود امي, خالتي وبناتها, ابنة عمي وزوجها, جارتنا ام محمد وصغيرتها دانة. بعد السلام طال الحديث وكان اغلبه يدور حول النصائح العشر قبل السفر.وابنة عمي تعد لي قائمة باماكن التجمعات للعرب هناك, وقائمة اخرى بالمطاعم العربية....
هذا المطعم يجيد صنع سندويش الشاورما تذوقيها, ومن ذاك اطلبي فلافل بالطحينة ستعجبك بالتاكيدوهذا محل جزارة لصاحبه اللبناني يبيع لحما مذبوحا على الطريقة الاسلامية... وهذا ..وهذا....وهذا
يرن الهاتف,
فاسمع صوت امي تناديني:- فاطمة, المكالمة لك.
- الو.
- الو, كيف حالك؟
انها سهى صديقتي منذ المرحلة المتوسطة, انتقلنا معا الي الثانوية واخترنا معا تخصص الرياضيات وها نحن نستعد للسفر معا لاكمال دراستنا الجامعية وقد اخترنا معا ايضا تخصص الهندسة البيولوجية.
- الحمدلله. اغراضي مبعثرة ولا اجد الوقت لترتيبها داخل الحقائب.
- انت هكذا دائما, بطيــــــــئة. اسرعي فلابد ان تنامي مبكرا اليوم.
- لا تخافي سانهي تجهيزها الليلية قبل النوم المبكر
- حسنا. اتصلي بي
.- اوكي.
-------------------------------------------------------------------------
انتظر مشاركاتكم :)